الطلّاب الموهوبون يمثّلون شريحةً خاصّة من الطلاب، وهي تُقدَّر بالعادة ب 2%-3% من مجمل الطلّاب، وهناك مميزاتٌ خاصّة بالموهوبين، تجعلهم مختلفين في جوانبَ كثيرة عن أقرانهم، ولذلك فإنَّ هناك شبه إجماع عند الباحثين والعاملين في التربية على أنّ هناك حاجةً لإقامة أُطرٍ خاصّة بالموهوبين أو اتّباع طرق تعليم خاصّة بهم، تلبّي احتياجاتهم وتساعدهم على تطوير مهاراتهم وقدراتهم الخاصّة.
الاعتراف باحتياجات الموهوبين الخاصة
يحتاج الموهوبون أولًا إلى الاعتراف بوجود احتياجاتٍ خاصّة بهم، إذ يعتقد البعض -خطأ – أنّ مجرّدَ كونِ الطالب موهوبًا وذا نتائجَ جيدّة في المدرسة، سيجعلُ منه إنسانًا ناجحًا بالتأكيد، وسيجعل تعليمه أسهل، ومرجعُ ذلك إلى الظنّ بأنَّ تفوُّق الطالب على زملائه في المدرسة، ينفي وجود صعوباتٍ تواجه الموهوبين، والحقُّ هو أنّ هذا الاعتقاد مُنافٍ للواقع، لأنّ لدى الطلّاب الموهوبين مجموعةً خاصّة من الاحتياجات والتحدّيات التي يتوجّب على الأهل والمعلّمين الانتباه لها، وأخذِها بعين الاعتبار في كلّ قرارٍ يخصُّ الطلّاب الموهوبين، خاصّة في المجالات التي لا تتعلّق بالجانب الأكاديمي، كما سنوضّح هنا.
الدعم التعليمي والنفسي
ممّا ذُكر أعلاه، نستنتجُ أنَّ الطلّاب الموهوبين قد يحتاجون للدعم في المجال التعليمي والنفسي والاجتماعي، ففي الجانب التعليمي يتوجّب توفير بيئةٍ محفّزة لهم للتعليم ولإشباع الفضول، كما أنّهم يحتاجون أحيانًا إلى دعمٍ في فهم بعض المواد وتذويتها، خاصّة إذا تمَّ تقديم مواد لهم تَفوق جيلهم (في برامجَ خاصّة بذلك)، فالطلّاب الموهوبون أيضًا ليسوا شريحةً واحدة، وهناك تفاوتٌ في اهتماماتهم وقدراتهم، على الرغم من كون قدراتهم عاليةً مقارنة بالطلّاب العاديين.
إنَّ تفوّق الطلّاب الموهوبين، واعتيادهم وذويهم ومعلّميهم على الحصول على نتائج متميّزة تعليميًّا، واعتيادهم على سماع المديح المتواصل ممّن حولهم، والّذين يبالغون أحيانًا في وصف قدرات الموهوبين، ترفعُ سقفَ توقّعات الأهل والمعلّمين من الموهوبين وترفعُ سقفَ توقّعات الموهوبين من أنفسهم وتجعلهم طلابًا مثاليين لا يخطئون، ولا يعجزون عن تنفيذِ أيّ مهمّة أو فهم أيّ موضوع، ولذلك قد يميل الموهوبون إلى ملاءمة هذه التوقّعات من خلال تجنّب المخاطر والمهمّات والنشاطات أو المواضيع الّتي قد تشكّل تحديًا كبيرًا لهم، وقد تتضاعف حدّة هذا الميل إذا كانوا يعانون من قصورٍ في الذّكاء النفسي، ومن معرفة ما يتوجّب عليهم فعله لإبقاء روح التحدّي عندهم مرتفعةً، وللتعامل مع عدم تحقيق التوقعات العالية منهم، كلّ هذا قد يؤدي إلى تآكلِ قدرات الطلاب الموهوبين وإلى فقدانهم صفاتٍ هامّة مثل المثابرة، المتابعة والطموح لما هو أعلى، وقد يدخلون حالةَ انعدام الدافعية (amotivation)، والتي تعني الشعور بالعجز عن أداء المهام وفقدان الثقة بقدراتهم وبأنَّ جهدهم لن يؤدّيَ إلى النتائجِ المرجوّة.
ومن كل ما سبق يتّضح، أنّ توقّعاتنا من الطلّاب الموهوبين، رغم كونها عالية، يجب أنْ تكونَ واقعيّة ودون إفراط ولا تفريط، ويتوجَّب علينا أن نعرف أيضًا أنَّهم يحتاجون أحيانًا إلى دعمٍ في المجالات الأكاديمية والنفسية وإلى التعبير عن مشاعرهم وطموحاتهم ومخاوفهم. وإضافة لذلك يحتاج الطلّاب الموهوبون إلى إقامة علاقات اجتماعيةٍ متينةٍ وصحيّةٍ مع من حولهم كما سنبيّن في الفقرات التالية.
إقامة علاقات صحية مع أقرانهم وأمثالهم
الموهوبون على قدرٍ عالٍ من الذكاء ليدركوا أنّهم مختلفون كثيرًا عن غيرهم، وأنّ اهتماماتهم قد تختلف كثيرًا عن اهتمامات أبناء جيلهم من حيث ما يثير فضولهم، أو من حيث المواضيع التي يرغبون بالحديث عنها والألعاب التي يحبّون ممارستها، فكثيرًا ما يجد الطلّاب الموهوبون سهولةً أكبرَ في التواصل مع من يفوقونهم سنًّا ويناقشون مواضيعَ تفوق جيلهم، ومحاولةُ الأهل أو المعلّمين للتعامل مع الطالب الموهوب على أنَّه غيرُ مختلف عن غيره – رغبةً في جعل طفولته عاديّة – قد تؤدّي إلى مزيدٍ من إرباك الموهوب وشخصيّته وتعقيدِ الأمور أكثر. ولذا سيكون من الصحيّ إتاحة الفرصة للموهوبين للتواصل مع أمثالهم من الموهوبين ليشعروا بوجودِ من يشاطرهم خصائصهم واهتماماتهم، وليتمكنّوا من تطوير قدراتهم وتحقيق ذاتهم، وقد يكون ذلك من خلال ضمِّهم لبرامجَ خاصَّة تلبِّي احتياجات الموهوبين.
يُنصح الأهلُ والمعلّمون أيضًا بالتوضيح للموهوبين أنَّ الاختلافات بين البشر موجودةٌ ومشروعة، وتضيف رونقًا وجمالًا للحياة، كما يتمّ التوضيح لهم أَّن هناك الكثير ممّا يتعلّمونه أيضًا من أقرانهم، حتى لو لمْ يكونوا بمثل قدراتهم واهتماماتهم، كما سيكون صحّيًّا لهم مساعدة زملائهم في الصف على استيعاب ما يتعلّمونه، وهذا بابٌ يمكن للطلاب الموهوبين من خلاله الشعور بأنّهم مفيدون لغيرهم، ممّا يزيد من ثقتهم بأنفسهم واحترامهم لذاتهم وقدراتهم، وممّا يشكّل لَبِنةً هامّة في دمجهم بالمجتمع الكبير والاستعدادِ ليكونوا مواطنين فاعلين، ولا يعني ذلك بالضرورة انغماس الطلاب الموهوبين التام في هذا الجانب وإغفال أنفسهم وتطوير قدراتهم.
تحفيز الموهوبين
إنّ إحدى الاحتياجات المهمّة للطلّاب الموهوبين هي توفير أجواءٍ تعليمية محفّزة لهم، إذْ كثيرًا ما يَشعر الطلاب الموهوبون بالملل لكَون ما يُقدَّمُ لهم من موادّ ومهمات دون مستواهم وقدراتهم، فالكثير من الموهوبين يصِلُون المدرسة وقد تعلّموا مسبقًا الكثير من المقرّرات الخاصّة بجيلهم، وكثيرٌ منهم يمكنهم التمكّن من المنهاج السنوي كلّه في فترة قصيرة جدًّا مقارنة بأترابهم، وقد تكون هناك عواقبُ وخيمةٌ على الطالب الموهوب إنْ لم يتمّ تحفيزه كفايةً وإثارة التحدّي عنده وإشباع فضوله، لأنّه قد يفقد دافعيّته للتعليم جزئيًّا أو حتّى كليًّا، وقد يقود هذا إلى مشاكلَ سلوكية تُفسَّر خطأً على أنّها اضطراب نقص الانتباه المفرط ADHD؛ لأنّ الأعراضَ التي تظهر عندهم تحاكي أعراضَ الطلَّاب الذين يعانون بالفعل من نقص الانتباه المفرط، إذْ تظهرُ عند بعضهم أيضًا أَعراضُ الشرودِ والاستغراقُ في أحلامِ اليقظة.