التسريع التعليميّ كأحد الحلول للطلّاب الموهوبين
يتساءل الكثير من الأهالي عن قضيّة ترفيع الطلّاب الموهوبين، متخوّفين من وجود أبعاد سلبيّة لعمليّة التسريع. وثمة تساؤلات شبيهة من المعلّمين عن جدوى العمليّة ونجاعتها. فهل من الأفضل أن يتمّ ترفيع الطلّاب الموهوبين؟ وما هي الآليّة المثلى لذلك؟ ومن يقرر الموضوع؟ وما التبعات الإيجابيّة والسلبيّة لعمليّة التسريع؟ سنحاول من خلال هذه المدوّنة أن نلقي الضوء على بعض الجوانب المتعلّقة بترفيع الطلّاب الموهوبين.
الإجابة المختصرة
جوابنا السريع على هذا التساؤل هو أن عمليّة التسريع ممكنة، وقد تكون مفيدة جدًا، بل وضروريّة ولازمة للطلاب الموهوبين، مع أخذ أمرين مهمّين جدا بعين الاعتبار: قدرات الطالب التعليمية من جهة، ونضوجه الاجتماعيّ والنفسيّ من جهة أخرى. ففي حال كون الطالب قادرا على استيعاب مواد تعليميّة معدّة لطلّاب أكبر منه سنًّا، وفي حال كون مهاراته الاجتماعيّة والنفسيّة ناضجة كفاية، إلى جانب قدرته الملحوظة على التواصل والتعامل مع من يكبرونه بسنة (أو أكثر)؛ فمعنى ذلك أنه قد تحقّقت لديه شروط التسريع، ويمكن مبدئيّا التفكير في ترفيعه. وفي حال كونه مناسبا للترفيع، فقد يكون الامتناع عن ترفيعه إجحافا بحقّه، وقد تكون آثار عدم التسريع سلبيّة للغاية، خاصّة إذا كانت المدرسة لا تشمل برنامجا خاصا بالطلّاب الموهوبين.
الإجابة الأشمل
لعمليّة الترفيع أو التسريع التعليميّ مفاهيم كثيرة، لكنها تعني بالأساس أن يتخطى الطالب أو يتجاوز سنة تعليميّة واحدة أو أكثر، بحيث يدرس منهاج السنة التي يتخطّاها بذاته أو بمساعدة الأهل أو المعلّمين، وهو يفعل ذلك بسرعة نسبيّة، بالنظر إلى قدراته الذهنيّة المتقدّمة. تُعدُّ عمليّة التسريع واحدة من عدّة حلول ممكنة لمشكلة الملل التي يشعر بها الطلّاب الموهوبون، وهي ليست الحلّ الوحيد بالطبع.
أَوَّلا، أودُّ التنويه إلى أنّه عند التسريع، يجد الطالب الموهوب تحديًّا مناسبا لقدراته حال تعلّم موادّ متقدّمة لا يشعر بالملل تجاهها؛ إذ تشير الكثير من الأبحاث والتجارب المبنيّة على نظريّة الأهداف (Goal Theory) إلى أنّ المتعلّم يظهر دافعيّة أكبر لتعلّم الموادّ التي تشكلّ له تحديّا معقولا. وبالفعل فإنّ إحدى أكثر العبارات شيوعا عند المتعلّمين الموهوبين هي عبارة “أنا أشعر بالملل”، وقد يعلنون صراحة عن عدم رضاهم عن المدرسة أو حتّى عدم رغبتهم في الذهاب إليها، والأهمّ من ذلك برأيي هو أن عدم تلقّي الطالب الموهوب لمهمّات وموادّ تعليميّة تناسب قدراته الذهنيّة قد يؤدّي إلى ضمور قدراته الذهنيّة أو بعضها وتأثّرها سلبا، وقد نصل إلى وضع لا يتدرّب فيه الطالب الموهوب على التعامل مع موادّ متقدّمة إلا حين يصل إلى الجامعة، وفي هذه الحالة قد يشكّل الأمر صدمة له، ولنتذكّر أيضا أن القدرات العقليّة مثل العضلات، إذا لم نستخدمها ستضمر.
النتيجة المرافقة لعمليّة التسريع هي اختفاء المشاكل السلوكيّة عند الطلاب الموهوبين أو تقليلها؛ لأنّ ذهاب الملل يعني عدم تشتّت فكر الطالب وانشغاله بالمهمّات التي يعكف عليها، كما أنّ عملية التسريع تمنح الطالب الموهوب الفرصة لكي يندمج مع طلاب يجارونه في القدرات التفكيريّة والاجتماعيّة. أما بالنسبة إلى تخوّفات الأهل المتعلّقة بالجانب الاجتماعيّ للطلّاب، فقد تكون مبالغا فيها في كثير من الحالات، ففرق السنة بين المتعلّمين لا يشكّل برأيي عقبة اجتماعيّة. فمع التقدّم في السن، تصبح الفروقات الذهنيّة والاجتماعيّة أقل وضوحا. فمثلا، ثمة فرق واضح وملموس بين رضيع عمره يوم وآخر عمره سنة، وكذا الحال بين طفل عمره سنتان وآخر عمره ثلاث، لكن الفرق بين طالب عمره 10 سنوات وآخر عمره 11 سنة يكون أقلّ وضوحا. ولنتذكّر أنه في الوضع الطبيعيّ، قد يكون في نفس الصفّ طلّاب يكبرون زملاءهم بعدة أشهر أو عام (كما هي الحال مع من يولدون في بداية العام وفي نهايته) دون أن يؤثّر ذلك على علاقاتهم أو قدراتهم. يمكن بالفعل أن يكون ثمة داعٍ أكبر للقلق عند ترفيع طالب سنتين أو أكثر، خاصّة عند بلوغه سن المراهقة، إذ إنّ المترفعين يدخلونه متأخّرين، لكن حتّى هذه العقبة يمكن التغلّب عليها بالإعداد النفسيّ الجيّد للطالب وبفتح قنوات تواصل معه.
مع ذلك، يجب الانتباه إلى أنّه يجب استشارة مختصّ نفسيّ قبل اتخاذ قرار التسريع للتأكد من نضوج الطالب النفسيّ والاجتماعيّ والعاطفيّ، لكن نظرة الأهل أكثر أهميّة برأيي؛ لأنهم يختبرون أبناءهم طوال الوقت ويعرفون عنهم الكثير. كما أنّه من المهم التأكد من أن قدرات الطالب التعليميّة جيدة في كل المواضيع وليس في واحد منها أو بعضها فقط، لكي لا تنشأ حالة تكون فيها قدرات الطالب اللغويّة جيّدة بينما القدرات الرياضية (الحسابية) غير متطورة بما يكفي، كما من المهمّ أيضا تجهيز الطالب نفسيّا لعمليّة التسريع ومناقشة تبعات ذلك معه.
والأهمّ من ذلك كلّه إشراك الطالب في قرار التسريع، خاصّة إذا نشأ في بيئة تسمح له بمناقشة الأمر، وهنا يجب الانتباه إلى أن عمليّة التسريع يمكن أن تحدث في أي مرحلة وليست مقتصرة على المرحلة ما قبل الابتدائيّة أو الابتدائيّة، مع ذلك، يجب برأيي البدء بالتفكير في إجراءات التسريع في اللحظة التي نشعر فيها بقدرات الطالب المميّزة، ولنتذكّر أن الامتناع عن ترفيع طالب موهوب وناضج اجتماعيّا ونفسيّا قد يشكّل إجحافا كبيرا بحقه!