التّعلّم المنظَّم ذاتيًّا:

ماهيّته، أهمّيّته، ومراحله

آخر تعديل 08.12.2023

مَدخَل:

إنّ إحدى أهمّ المهارات الّتي تهدف أيّةُ عمليّة تربويّة لتذويتها وتطويرها، هي تنشئة طالبٍ مستقلٍّ، قادرٍ على التّعامل ذاتيًّا، وباستقلاليّة كبيرة، مع التّحدّيات التّعليميّة والحياتيّة الّتي تواجهه آنيًّا ومستقبلًا، وهي مهارات يؤكِّد ضرورَتها كثيرٌ من الأبحاث التّربويّة والتّعليميّة، ويمكن رؤية انعكاساتها في المناهج التّعليميّة في كثير من الدّول حول العالم. ويُعدّ التّعلّم المنظّم ذاتيًّا (والّذي سنشير إليه هنا اختصارًا بـ: “SRL” Self-Regulated Learning -) أحد أهمّ الأطر النّظريّة الّتي تصف سيرورة التّعلّم الذّاتيّ، والطّرق المناسبة لتفعيله وتوجيهه.

هناك عدّة نماذج وتعريفات لعمليّة التّعلّم المنظّم ذاتيًّا، والّتي تتطرّق إلى جوانب مختلفة بحسب خلفيّة الباحثين الّذين يتبنّونها، ويمكن أن نشير عمومًا إلى ال SRL على أنّها سيرورة تعليميّة ذاتيّة، يكون فيها الطّالب مسؤولًا عن عمليّة التّعلّم الخاصّة به من بدايتها حتّى نهايتها، فيتمكّن من فهم المطلوب منه، ووضع أهداف التّعلّم، وتوجيه الجهد والوقت بنجاعة لتحقيق هذه الأهداف، بحسب سياقات التّعلّم المختلفة، ويكون متحكّمًا بعمليّة التّعلّم الخاصّة به، ومراقبًا لها طوال مرحلة تعلُّمه، ويكون قادرًا على التّحكّم بمشاعره، أفكاره وتصرّفاته المتعلّقة بعمليّة التعلّم.

 ويُعدّ هذا النّموذج التعليميّ شاملًا جدًّا؛ لأنّه يتطرّق إلى كمٍّ كبير من أوجه عمليّة التّعلّم، فيشمل الجوانب النّفسيّة (psychological) والشّعوريّة (emotional)، إضافةً إلى الجوانب الإدراكيّة (cognitive) وفوق الإدراكيّة (meta-cognitive) وَالسلوكيّة (behavioral)، وكلُّها جوانب مهمّة تحظى بكثير من الاهتمام والبحث من قبل المختصّين بالعمليّة التّعليميّة والتّربويّة، وتُفرد لها نظريّات ونماذج خاصّة بها. وكما هو واضح هنا، يستنِد ال SRL أساسًا إلى نظريّات التّعلّم الإدراكيّة، والبنائيّة، والاجتماعيّة (cognitive, social, and constructive learning theories)، وتشكّل نظريّة الأهداف (goal theory) المستندة إليه إحدى دعاماته الأساسيّة.

وتشمل المجالات التي تتعلّق بعمليّة ال SRL مجموعة كبيرة من المصطلحات المتداخلة، ومن أهمّها: المواقف (attitudes)، الدّافعيّة (motivation)، احترام الذّات (self-esteem)، فعاليّة الذّات (self-efficacy)، وضع الأهداف (goal-setting)، استراتيجيّات التّعلّم (learning strategies)، التّأمّل (reflection)، التّعلّم البنائيّ (constructive learning).

لقد بيّنت أبحاثٌ عديدة أنّ الطّلّاب -من أجيال مختلفة- الّذين يمتلكون مهارات ال SRL يُظهرون نجاعة أكبر في عمليّة التّعلّم، فهم قادرون على تحقيق قدر أكبر من الأهداف التّعليميّة بجهد ووقت أقلّ، كما أنّ دافعيَّتهم للتّعلّم وجهدهم يزدادان ويستمرّان لمدة أطول، ونظرتهم لأنفسهم أكثرُ إيجابيّة، وأداؤهم في التّعليم الأكاديميّ الجامعيّ أفضل. إضافة إلى ذلك، قد يكون الطّلّاب القادرون على تنظيم تعليمهم أقلّ عرضة للمشوّشات والتّجارب السّلبيّة الّتي تواجههم أثناء عمليّة التّعلّم، مثل وجود بيئة صفيّة غير محفّزة، أو انعدام الشّرح والتّوجيه المناسبين من قبل معلّم مؤهّل، كما يكون هؤلاء الطّلّاب أقدر على مواجهة ظروف تعلّم استثنائيّة كما كان الحال في فترة جائحة كورونا، حينما تحوّل كلّ التّعليم أو جلّه إلى منظومات التّعلّم عن بعد.

لا تُعدّ مهارات ال SRL مهمّة لتعلّم الموضوعات المدرسيّة فقط، بل لتعلّم كلّ موضوع يقع ضمن اهتمامات الطّلّاب أيضًا، سواءً أكان موضوعًا نظريًّا، أم موضوعًا عمليًّا (مثل الرّياضة أو غيرها). كما تساعد مثل هذه المهارات الطّالب على تخطيط كلّ ما يتعلّق بحياته الشّخصيّة والمهنيّة (مثل تحقيق هدف القبول الجامعيّ، أو النّجاح في مهنته الّتي اختارها وتطوير مهاراته فيها، أو تطوير مشروع خاصّ به)، كما أنّها تفيد الطّالب في التّغلّب على التّحدّيات النّفسيّة والاجتماعيّة الّتي قد تواجهه، ووضع خطط لتجاوزها.

مراحل التّعلّم المنظَّم ذاتيًّا:

توجد عدّة نماذج مقترحة لوصف ال SRL[1]، وبالنّظر إلى هذه النّماذج المختلفة، وإلى بعض الأبحاث الّتي تستند إليها، واعتمادًا على التّجربة الشّخصيّة، يمكن الإشارة إلى وجود ثلاث مراحل أساسيّة (قد تكون هناك نماذج تقترح عددًا أكبر من هذه المراحل، أو تقسيمات وتفريعات مختلفة لها): مرحلة التّجيهز لعمليّة التّعلّم (المهامّ المتعلّقة بها)، ومرحلة التّنفيذ، وأخيرًا مرحلة التّأمّل، وهذا ما هو مفصَّل وموضَّح أدناه في الرّسم التّوضيحيّ. ونضع هنا وصفًا مختصرًا لمراحل ال SRL المختلفة، مع شرح مختصر للخطوات والمهارات المطلوبة في كلّ مرحلة منها، وسنردفها ببعض الملاحظات المهمّة الّتي يتوجّب الانتباه إليها قبل التّخطيط لتطبيق نظام ال SRL في أيّ منظومة تعليميّة.

رسم توضيحيّ لمراحل التّعلّم المنظّم ذاتيًّا

التّجهيز لتنفيذ المهمّة:

كثيرًا ما يتجاوز الطّلّاب هذه المرحلة على الرّغم من أهمّيّتها، ويتّجهون مباشرة إلى مرحلة التّنفيذ دون فهم المطلوب أو التّخطيط لتنفيذه، فيكون أداؤهم متواضعًا، ولا يرقى لتحقيق أهداف عمليّة التّعلّم. يتطلّب تنفيذ مهمّة أو مشروع من الطّلّاب تجهيز أنفسهم من خلال:

  • معرفة مشاعرهم تجاه المهمّة (مثلًا: أنا أحبّ/لا أحبّ هذا النّوع من المهامّ)، ومحاولة تغيير مشاعرهم إن كانت سلبيّة تجاهها.
  • فهم ما هو مطلوب جيّدًا من خلال قراءة التّعليمات الخاصّة بالمهمّة إن وُجدت.
  •  تحليل المهمّة لمعرفة حجم العمل المطلوب ومدى صعوبته أو سهولته، ومقارنتها مع مهمّات سابقة، فمِنَ الممكن الاستفادة من خبرات سابقة وتطبيقها في المهمّة الجديدة.
  •  معرفة ما تتطلّبه المهمّة من موارد أو لوازم.
  • وضع أهداف عامّة وفرعيّة للمهمّة، وتحديد إطار زمنيّ ممكن لتحقيق كلّ هدف منها.
  • وضع معايير (Criteria/Standards) لتحديد مدى نجاح تنفيذ الأهداف والمهمّات، على أن تتلاءم مع طبيعة المهمّات وما هو مطلوب. هناك مهمّات تتطلّب دقّة كبيرة في التّنفيذ والعمل، وأخرى تحتاج إلى دقّة أقلّ أو اهتمام أقلّ بالتّفاصيل.
  • رسم الخُطط الّتي تتلاءم مع شخصيّاتهم وتفضيلاتهم وميزاتهم. كما يُطلب منهم فهم السّياق أو البيئة الّتي تتمّ فيها العمليّة التّعليميّة؛ للملاءمة بين طرق التّعلّم والبيئة، ولتوقّع العقبات الممكنة ووضع آليّات لتجاوزها، ووضع خطط بديلة في حال عدم نجاعة الخطط المتّبعة، كما عليهم تحديد من يمكنهم التّوجّه إليه حال احتاجوا إلى مساعدة (مثل معلّمين أو أهل أو زملاء أو أشخاص أو أجسام أخرى).
  • حشد الدّافعيّة الذّاتيّة من أجل العمل على المهمّة وإنهائها، ويتطلّب ذلك إدراكهم لقدراتهم على تنفيذ المهمّة.

تنفيذ الخطط:

في هذه المرحلة، ينفِّذ الطّالب الخطّة الّتي وضعها لنفسه باستخدام استراتيجيّات التّعلّم والعمل المناسبة له، بغية تحقيق الأهداف والغايات الّتي يسعى إليها. ومن أجل تنفيذ الخطّة، على الطّالب:

  • مراقبة أدائه، والتّأكّد من أنّ الخطط الّتي وضعها تقود فعلًا إلى تحقيق الأهداف.
  •  أن يكون على استعداد لإدخال تعديلات بسيطة أو عميقة على الخطّة أو آليّات التّعلّم أو حتّى الأهداف والغايات متى ما احتاج إلى ذلك، وأن يكون قادرًا على ذلك، مع الانتباه إلى أنّ تغيير الخطط والاستراتيجيّات يتمّ فقط بعد التّأكّد فعلًا من عدم نجاعتها، أو حاجتها إلى تعديل أو حتّى تغيير كلّيّ.
  •  مراقبة مستوى دافعيّته؛ لأنّ بذل الجهد والمثابرة في تحقيق الأهداف مع وجود العقبات لا يتأتَّى إلّا بوجود دافعيّة مناسبة. وهناك طرق واستراتيجيّات يمكن للطّالب استخدامها من أجل المحافظة على الدّافعيّة وتطويرها (ستُفصّل في مقالة أخرى حول الدّافعيّة للتّعلّم).

التّأَمّل في الأداء والعمل:

تتطلّب عمليّة التّأمّل (Reflection) من الطّالب قدرة على التّفكير فوق المعرفيّ (ما وراء الإدراك) – (Metacognitive Thinking)، بمعنى التّفكير في طريقة تفكيره، وما بذله من جهد، أو مرّ به من تجارب قبل وأثناء وبعد تنفيذ الخطط والعمل على المهمّة، وذلك من خلال:

  • مقارنة إنجازه بالأهداف الّتي رسمها لنفسه، والتّحقّق من مدى تنفيذها، وعدم مقارنة أدائه بأداء الآخرين، فقد تكون المقارنة محبِطة لأنّ الآخرين أنجزوا أكثر، أو تدفعه لبذل جهد أقلّ لأنّهم أنجزوا أقلّ منه، فلا يحتاج إلى جهد خاصّ من أجل إبراز موهبته وقدراته.
  • مراجعةِ الاستراتيجيّات الّتي اتّبعها، والتّأكّدِ إنْ كان قد اتّبعها بالفعل، وإن كانت حقًّا قد ساعدته على تحقيق أهدافه أم لا، وسؤالِه نفسَه إن كان بالإمكان إنجاز المهمّة بطرق أنجع (وقت وجهد أقلّ ونجاح أكبر)، ومحاولةِ فهم أسباب عدم إنجاز الأهداف في حال لم تُنجَز كلّيًّا أو جزئيًّا، وعزوِها إلى قلّة الجهد الكافي، أو إلى عدم اتّباع الاستراتيجيّات المناسبة، وليس إلى فقدان القدرة (Ability/Competence)، فعزو النّتيجة غير المتوقَّعة إلى افتقاد القدرة هو وصفة سريعة لفقدان الدّافعيّة والشّعور بالعجز (Amotivation/Helplessness).
  • التّحكّم في مشاعره تجاه أدائه، مع إقرارنا بأنّها عمليّة غير سهلة، فإن كان الأداء غير مرضٍ، على الطّالب التّحرّك باتّجاه تجاوز المشاعر السّلبيّة من خلال معرفة أنّ هذه المشاعر طبيعيّة ويمرّ بها الجميع، وأنّها في الغالب مشاعر عارضة تزول مع الوقت، وعليه إعطاء نفسه وقتًا معقولًا لتجاوزها دون إفراط ولا تفريط، ومن ثمّ توجيه مشاعره لتكون إيجابيّة تجاه نفسه وعمله، ليخطّط من جديد لإنجاز ما رُسِمَ من أهداف.
  • قد تختلف عمليّة تطوير التّعلّم الذّاتيّ من موضوع لآخر، أو من مهمّة لأخرى بحسب نوع الموضوع ومتطلّباته، ونوع المهمّة وحجمها، مع التّأكيد بالطّبع أنّ هناك أمورًا كثيرة قد تكون مشتركة.

ولكن قبل ذلك، من المهمّ –برأينا- الانتباه إلى بعض الملاحظات المهمّة عند العمل على بناء خطط لتذويت ال SRL عند الطّلّاب.

ملاحظات مهمّة حول التّعلّم المنظَّم ذاتيًّا:

  • التّعلّم المنظَّم ذاتيًّا هو عمليّة مركّبة ومتداخلة ومتعدّدة الأوجه، إضافة إلى كونها دائريّة، بمعنى أنّنا بعد الوصول إلى المرحلة الأخيرة (التّأمّل في عمليّة التّعلّم) قد نعود مرّة أخرى إلى مرحلة التّجهيز لعمليّة التّعلّم بعد استخلاص العبر؛ لفهمٍ أفضل للمهمّة أو لتغييرات في الأهداف أو طرق العمل والتّنفيذ.
  • عمليّة التّعلّم المنظّم ذاتيًّا هي عمليّة مستمرّة لمدّة زمنيّة طويلة، ولا يمكن تذويتها من خلال شرح واحد أو تنفيذ مهمّة واحدة أو بضع مهمّات فقط، وهي تتطوّر مع التّجربة والجيل تطوّرًا تدريجيًّا وبنائيًّا، فلا تكون هناك قفزات تجعل عمليّة ال SRL مستحيلة أو شائكة.
  • يُلاءَم تذويت ال SRL لكلّ مرحلة عمريّة بحسب جيل الطّلّاب وقدراتهم.
  • يُلاءَم أيضًا ال SRL ليتناسب والفروقات الفرديّة بين الطّلّاب، فهناك مثلًا طلّاب ينظّمون تعلّمهم ذاتيًّا بالبداهة، ودون حاجة إلى مساعدة كبيرة في تعلّم كيفيّة ذلك، فيما أنّ هناك طلّابًا آخرين قد يحتاجون إلى درجات متفاوتة من المساعدة، أو إلى مساعدة في مرحلة واحدة من العمليّة، وليس كلّها. كما يجب التّنبّه إلى أنّ سرعة تعلّم استراتيجيّات ال SRL قد تختلف من طالب لآخر. لهذه الأسباب مجتمعة تُبنَى خطّة فرديّة خاصّة بكلّ واحد من الطّلّاب (بالطّبع قد تتشابه الخطط لدى طلّابٍ متشابهين في جوانب معيّنة من شخصيّاتهم، وقدراتهم، أو اهتماماتهم).
  • قد يختلف أيضًا تطبيق الجوانب المختلفة لل SRL بين بيئة تعليميّة واجتماعيّة معيّنة وبيئات أخرى، بحسب المناخات التّعليميّة والاجتماعيّة الّتي يتمّ فيها التّعلّم.
  • هناك تطبيقات عمليّة كثيرة لل SRL، وهي مفيدة أساسًا في عمليّة التّعلّم المستندة إلى التّقييم البديل (Alternative Assessment)؛ فهي تفيد في التّعلّم الذّاتيّ للموادّ، وتنفيذ مهمّات تعليميّة صغيرة وكبيرة، والتّعلّم القائم على المشاريع (Project Based Learning)، وهناك بالفعل علاقة مُثبَتة بين ال SRL والتقييم البديل لتشابه مركّباتهما، كما أنّها تساعد الطّلّاب على التّجهُّز للاختبارات المعياريّة والمدرسيّة بشكل أنسب.
  • التّعليم وفق نظام ال SRL لا يعني تعليمًا فرديًا فقط، بل يجب استخدام طرق تعليم مختلفة ومتنوعة أيضًا، تشمل العمل في أزواج، والعمل في مجموعات؛ إذ إنّ تطوير مهارات العمل الجماعيّ والعمل مع الآخرين غاية مهمّة لكي يعتاد الطّلّاب على العمل في طواقم حاضرًا ومستقبلًا. 

مهارات التّعلّم المنظّم ذاتيًّا:

من خلال السّرد السّابق يمكننا حصر وتلخيص أهمّ مهارات التّعلّم المنظَّم ذاتيًّا المطلوب تذويتها وتطويرها لدى الطّلاب. هذه المهارات معروضة باختصار هنا.

معرفة المشاعر والتّحكّم بها: ناقص!!!

ما فوق الإدراك (meta-thinking): يتضمّن ما فوق الإدراك الوعي والتّفكير في عمليّات التّفكير الخاصّة بالفرد، وفهمها، بما في ذلك التّفكير في كيفيّة التّعلّم على وجه أفضل.

يمكن للطّلّاب ذوي المهارات ما وراء الإدراكيّة المتطوّرة التّفكير في كيفيّة تعلّمهم على وجه أفضل، والتّعرّف إلى طريقة فهمهم للموادّ، وتحديد استراتيجيّات حلّ المشكلات. تعزّز مهارة ما فوق الإدراك الوعي الذّاتيّ، وتمكّن الطّلّاب من اتّخاذ قرارات صائبة بشأن نهج التّعلّم الخاصّ بهم.

وضع أهداف محدّدة (Setting Goals): تشمل هذه المهارة قدرة المتعلّم على تحديد أهداف تعليميّة تلائم قدراته وإمكاناته، وتلائم أهداف التّعليم ومتطلّباته. ويشار إلى طبيعة هذه الأهداف عادةً بالاختصار (SMART)، فتكون محدّدة وواضحة (Specific)، وقابلة للقياس (Measurable)، ويمكن إنجازها (Achievable)، وذات معنى للمتعلّم (ذات صلة به) (Relevant)، إضافة إلى ضرورة تحديدها بإطار زمنيّ (Timed-Bound). يساعد تحديد أهداف واقعيّة وقابلة للقياس في تحفيز المتعلّم وتوجيه جهوده نحو الاتّجاه الصّحيح، إضافة إلى مساعدته في قياس مدى نجاحه.

إدارة الوقت: هي مهارة تخصيص وإدارة الوقت تخصيصًا فعّالًا لمختلف المهامّ والواجبات والأنشطة.

يمكن للطّلّاب المتفوّقين في إدارة الوقت تحديد أولويّات المهامّ، والتّخطيط لجلسات الدّراسة، والالتزام بالمواعيد النّهائيّة. تعدّ هذه المهارة ضروريّة للحفاظ على حياة أكاديميّة وشخصيّة متوازنة، ممّا يضمن قدرة الطّلّاب على تحقيق أهدافهم دون الشّعور بالإرهاق.

التّخطيط والتّنظيم (planning and oraganization): المهارة في وضع الخطط وتنظيم الموادّ لإنجاز المهامّ.

يتضمّن التّخطيط والتّنظيم إنشاء خارطة طريق للتّعلّم. يمكن للطّلّاب الّذين يتمتّعون بمهارات تخطيط قويّة تحديد الخطوات اللّازمة لإكمال المهمّة، وتنظيم الموادّ الخاصّة بهم، وإنشاء خطط دراسيّة فعّالة. تساعد هذه المهارة في تعزيز الكفاءة، وتقليل خطر الشّعور بعدم التّنظيم أو التّشتّت في أسلوب التّعلّم.

المراقبة الذّاتيّة (self-monitoring): القدرة على المراقبة الذّاتيّة للتّقدّم، وتقييم فعاليّة استراتيجيّات التّعلّم.

المراقبة هي التّقييم المستمرّ لتقدّم الفرد نحو أهداف التّعلّم. يمكن للطّلّاب الّذين يراقبون أداءهم مراقبةً فعّالة تحديد مجالات القوّة والضعف، ممّا يسمح بإجراء تعديلات في الوقت المناسب على استراتيجيّات التّعلّم الخاصّة بهم. تسهم هذه المهارة فوق الإدراكيّة في فهم أعمق لعمليّة التّعلّم.

استراتيجيّات الدّراسة (Learning-Strategies): المهارة في اختيار واستخدام استراتيجيّات الدّراسة الفعّالة، وتشمل تلك الاستراتيجيّات مجموعة من التّقنيّات الّتي يستخدمها الطّلّاب لاستيعاب المعلومات وحفظها في الذّاكرة بفعاليّة، مثل تدوين الملاحظات، والتّلخيص، وأدوات التّذكّر. يسمح تطوير مجموعة من استراتيجيّات الدّراسة للطّلّاب بتكييف منهجهم مع أنواع مختلفة من المحتوى ومواقف التّعلّم.

الدّافع الذّاتيّ (intrinsic motivation): هو الدّافع الأهمّ للانخراط في أنشطة التّعلّم دون الاعتماد دائمًا على المكافآت الخارجيّة.

يشير الدّافع الذّاتيّ إلى الدّافع الجوهريّ للمشاركة في أنشطة التّعلّم. الطّلاب ذوو الدّافع الذّاتيّ القويّ أكثر ميلًا للمثابرة في مواجهة التّحدّيات، وأخذ زمام المبادرة في دراستهم، والحفاظ على موقف إيجابيّة تجاه التّعلّم. تسهم تنمية التّحفيز الذّاتيّ في حبّ التّعلّم مدى الحياة.

القدرة على التّكيّف (Adaptation): تتضمّن القدرة على التّكيّف المرونة اللّازمة في ضبط وتعديل استراتيجيّات التّعلّم والأساليب التّعليميّة بناءً على متطلّبات المهامّ أو التّحدّيات المختلفة. يمكن للطّلّاب الّذين يتمتّعون بقدرة قويّة على التّكيّف التّغلّب على العقبات غير المتوقَّعة، وتغيير نهجهم عند الضّرورة، والتّعلّم من النّجاحات والإخفاقات.

التّأمّل (reflection): القدرة على التّفكير في تجارب التّعلّم، وتحليلها، وتحديد مجالات التّحسين، وإجراء التّعديلات اللّازمة.

يمكن للطّلّاب الّذين ينخرطون في الممارسات التّأمّليّة استخلاص رؤى ذات معنى من رحلتهم الأكاديميّة، وتحديد مجالات التّحسين، وإجراء تغييرات مقصودة لتعزيز استراتيجيّات التّعلّم الخاصّة بهم.

التّقييم الذّاتيّ (self-assessment): القدرة على تقييم العمل والتّقدُّم المُحرَز، وتحديد نقاط القوّة والضّعف.

يمكن للطّلّاب المتفوّقين في التّقييم الذّاتيّ تحليل جودة مهامّهم بموضوعيّة، والتّعرّف إلى نقاط القوّة والضّعف لديهم، واستخدام هذه التّعليقات لتحسين جهودهم المستقبليّة.

طلب المساعدة (seeking-help): الاستعداد لطلب المساعدة عند مواجهة التّحدّيات أو الصّعوبات.

طلب المساعدة هو القدرة على التّعرّف إلى الوقت الّذي قد نحتاج فيه إلى المساعدة، والسّعي بنشاط للحصول على الدّعم من المعلّمين أو الأقران أو أشخاص آخرين أو موارد أخرى مختلفة مثل المواقع أو التّطبيقات. الطّلّاب الّذين يتقنون طلب المساعدة هم أكثر قدرة على التّغلّب على التّحدّيات الّتي تواجههم، وتوضيح الإشكالات، وتعزيز فهمهم للمفاهيم المركّبة. تعزّز هذه المهارة اتّباع نهج استباقيّ للتّعلّم يكون فيه الطّالب قادرًا على إدارة عمليّة التّعلّم حتّى قبل بدئها.

يعدّ تطوير مهارات التّعلّم ذاتيّة التّنظيم أمرًا بالغ الأهمّيّة للنّجاح الأكاديميّ والتّعلّم مدى الحياة. يلعب المعلّمون وأولياء الأمور أدوارًا أساسيّة في تعزيز تنمية هذه المهارات لدى الطّلّاب من خلال توفير التّوجيه، وإنشاء بيئة تعليميّة داعمة، وتشجيع عادات التّعلّم المستقلّة.

تلخيص:

ممّا ذُكر أعلاه، يتّضح أنّ ال SLR هي عمليّة مركّبة جدًّا، ويحتاج تطويرُها عند الطّلّاب إلى كثير من التّنسيق والتّخطيط بين كلّ الفاعلين في العمليّة التّربويّة، كما أنّها شاملة لجوانب كثيرة من العمليّة التّعليميّة عامّة، وتساعد في تنمية مجموعة كبيرة من المهارات التّعليميّة والحياتيّة للطّلّاب، وتشمل: معرفة الذّات من خلال معرفة الرّغبات الذّاتيّة، معرفة القدرات والمعوّقات، صياغة الأهداف، تنظيم الوقت، تخطيط العمل، مراقبة تقدُّم الخطط وضمان المداومة حتّى تحقيق الأهداف، التّعلّم الذّاتيّ، التعلّم من التّجارب والأخطاء لتحسين الأداء، القدرة على تحفيز الذّات وتجاوز المعوقات الذّاتيّة والبيئيّة، القدرة على الاستفادة من الظّروف المحيطة والأشخاص المحيطين بهدف الدّفع من أجل تحقيق الأهداف، القدرة على التّأمّل في العمل، تقييم الأداء لتحسينه مستقبلًا، نقل الخبرات المكتسبة لتحقيق أهداف جديدة وتنفيذ مهمّات أخرى.

—–


 [1]  انظر عرضًا لها هنا:

Panadero, E. (2017). A review of self-regulated learning: Six models and four directions for research. Frontiers in psychology8, 422. doi: 10.3389/fpsyg.2017.00422

Scroll to Top